د. أمين بن عبدالله الشقاوي
السادس عشر: أن الله تعالى يجيب دعوة المؤمنين إذا استغاثوا به، وهم في كرب مع عدوهم، فإن الله تعالى أمدهم بالملائكة، وأنزل عليهم النعاس، وغير ذلك كما حدث في غزوة بدر. قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].
وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
السابع عشر: أن الله تعالى يقدر الأمور وييسرها من غير ترتيب مسبق بين المؤمنين وأعدائهم، وهذا كله من أجل نصرة دينه، وخذلان أعدائه بالقتل والأسر، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن الله تعالى جمع المؤمنين بأعدائهم الكافرين من غير موعد لذلك، ليهلك من هلك من الكافرين عن بينة وحجة، ويعيش من يعيش منهم وقد أقيمت عليه الحجة.
الثامن عشر: أن الشيطان يحسن للإنسان المعاصي، ويزينها له، فإذا وقع فيما يريد تخلى عنه، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن الشيطان زين لكفرة قريش الخروج لحرب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم تولى عنهم، قال تعالى:﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48].
التاسع عشر: أن المنافقين في كل زمان ومكان يكيدون للإسلام وأهله، ويدبرون المكائد، ويسخرون من المؤمنين، ويستهزئون بدينهم، قال تعالى: ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 49].
العشرون: أن الله تعالى يعوض المؤمن ويخلف عليه في ماله، إذا علم منه الصدق وحب الخير، فهذا ما حدث في قضية العباس ومن معه من الأسرى في غزوة بدر، فإن الله أخلف على العباس فيما دفعه من الفداء كما تقدم، ووعدهم سبحانه بالمغفرة في الآخرة. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70].
الحادي والعشرون: أن الكفر والمعاصي سبب لزوال النعم، وحصول النقم، فإن قريشاً لما كفروا نعمة الله بإرسال هذا النبي الكريم إليهم فكذبوه وعادوه، عاقبهم الله في غزوة بدر بالقتل والأسر، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28].
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس- رضي الله عنه – قال: ﴿ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً ﴾، قال: هم والله كفار قريش، قال عمرو: هم قريش، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- نعمة الله، ﴿ وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ قال النار، يوم بدر”[4].
الثاني والعشرون: أن قريشاً قد أصيبت بعقوبات كثيرة قبل غزوة بدر، فأصابهم قحط، وجهد، حتى أكلوا العظام، لكن ذلك لم يجد فيهم شيئاً، فاستمروا على شركهم وضلالهم، حتى كانت وقعة بدر، فبطش الله بهم البطشة الكبرى.
الثالث والعشرون: أن أعداء الإسلام من المشركين والمنافقين وغيرهم، لا يألون جهداً في قتال المسلمين وسحقهم، ووضع الخطط والمكائد لضرب الإسلام وأهله، وقد أشار الله إلى ذلك بقوله: ﴿ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217].
الرابع والعشرون: أن الصحابة رضي الله عنهما قدموا أنفسهم وأموالهم فداء لهذا الدين، ولا أدل على ذلك من المهاجرين الذين تركوا أموالهم في مكة، وهاجروا بدينهم إلى المدينة، وبذلوا نفوسهم رخيصة في معركة بدر، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى حالة فقرهم الشديدة قال: “اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وعراة فاكسهم، وحفاة فاحملهم…الحديث”[5].
وصدق الله إذ يقول: ﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: 23].
الخامس والعشرون: الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين، وقد حث الله ورسوله عليهما، وقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً لأصحابه عندما قال حذيفة ابن اليمان وأبوه للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه الخبر، فقال: “انصرفا، نَفِي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم”[6].
السادس والعشرون: حرص الكفار على الحياة، وحبهم لها، قال تعالى: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 96].
ولذلك لما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتل بعض الكفار في غزوة بدر، كأُمية ابن خلف، وعقبة بن أبي معيط، خافوا على أنفسهم من القتل، فلم يخرجوا إلا بحيلة من أصحابهم.
السابع والعشرون: أن بعض الكفار لهم مواقف عظيمة نصروا فيها الإسلام والمسلمين، كحال البختري بن هشام، فإنه كان أكف القوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة، وكان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام بنقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم، وبني المطلب. وكحال المطعم بن عدي، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل بجواره عند رجوعه من الطائف.
الثامن والعشرون: إرسال البشير ليخبر بالخبر السار، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد انتصاره في غزوة بدر أرسل عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة ليبشرا الناس بالنصر.
التاسع والعشرون: أن من حكمة الله تعالى أنه قد يذل الكفار بالقتل أو الأسر على أيدي المسلمين، وذلك ما حصل في غزوة بدر، فقد قتل سبعون من المشركين، وأسر سبعون، قال تعالى: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 14].
الثلاثون: أن الغدر والخيانة من صفات الكفار، وذلك كما جاء في قصة بئر معونة، فإن هؤلاء الكفار أعطوا الأمان للصحابة رضي الله عنهم فلما تمكنوا منهم غدروا بهم، وباعوا زيداً وخبيباً؛ لأنهما قتلا بعضاً من قادة قريش في غزوة بدر.
______
المصدر شبكة الألوكة.