بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على أخيك المسلم في تفريج همه وكربه، والوقوف بجانبه ومساعدته، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً) رواه الطبراني وحسنه الألباني. قال ابن تيمية: “ومَن أحبَّ أن يلحق بدرجة الأبرار، ويتشبه بالأخيار: فلينو في كل يوم تطلع فيه الشمس نفع الخلق فيما يسر الله مِن مصالحهم على يديه”.
وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة زاخرة بمواقفه مع الفقراء، التي علمنا من خلالها أن الرحمة الحقيقية بالفقراء والضعفاء وأصحاب الحاجات، لا تتمثل في مجرد تألم القلب لحالهم ـوإنْ كان ذلك محموداًـ وإنما حقيقة الرحمة هي تلك التي تدفع صاحبها إلى خطوات فعّالة على قدر استطاعته لمساعدتهم وتقديم سبل العون لهم.
من هذه المواقف ما رواه مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: (كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قومٌ حُفاةٌ عُراة مُجتابي النِّمار (يلبسون كساء من صوف مخطط) أو العباء (جمع عباءة)، مُتقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَر، بل كلُّهم من مُضر، فتمعَّر (تغير) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلَّى ثم خطب فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1)، والآيةَ التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} (الحشر:18)، تصدَّق رجلٌ من دينارِه، من درهمه، من ثوبه، من صاعِ بُرِّه، من صاعِ تمره، حتى قال: ولو بشِقِّ تمرة، قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجز عنها، بل قد عجَزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيتُ كَومَين من طعامٍ وثياب، حتى رأيتُ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل (يستنير فرحاً وسروراً) كأنه مَذهبةٌ، فقال رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم: من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنة، فله أجرها، وأجرُ مَن عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّة سيئة، كان عليه وزرُها ووِزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيء).
قال النووي: “قوله (حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة) فقوله: يتهلل، أي: يستنير فرحاً وسروراً، وقوله: (مذهبة) ذكر القاضي وجهين في تفسيره، أحدهما: معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه، والثاني: شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود، وتجعل فيها خطوطاً مذهبة، يرى بعضها إثر بعض، وأما سبب سروره صلى الله عليه وسلم ففرحاً بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبذل أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعض، وتعاونهم على البر والتقوى، وينبغي للإنسان إذا رأى شيئاً من هذا القبيل أن يفرح ويظهر سروره ويكون فرحه لما ذكرناه”.
_____
المصدر: إسلام ويب.