أ. د. صالح بن علي أبو عراد
إن الـمؤسسات والـمراكز التربوية الـمتنوعة التي عُرِفت في الـمجتمعات الإسلامية عبر تاريخ الـمسلمين لم تأت من فراغ، ولم تكن ترفًا اجتماعيًا؛ وإنـما كانت وليدة الحاجة التي استوجبت وجودها وتوافرها وتنوعها، مع مراعاة أنـها كانت تتفاوت نسبيًا في نوعية الأدوار التي كانت تؤديها؛ ولعل ذلك راجعٌ إلى تأثُـر كل واحدةٍ منها بالعديد من العوامل والظروف التعليمية، والاجتماعية، والفكرية، والسياسية، والاقتصادية، وغيرها. وأن مسألة الفروق بينها راجعٌ إلى عوامل كثيرة زمانيةً، أو مكانيةً، أو وظيفيةً.
نـماذج لـمؤسسات ومراكز التعليم التي عرفها الـمجتمع الـمُسلم قديـمًا:
سنعرض فيما يلي لعددٍ من تلك الـمؤسسات والـمراكز والبيئات المختلفة؛ إلاّ أننا لن نتحدث عن أحد النماذج والذي يتمثل في (الـمدارس)؛ لأنها تحتاج إلى نوعٍ من البسط والتناول في موضوعٍ مُستقلٍ نظرًا لتنوعها وكثرتـها، وعظيم دورها الذي قامت به عبر مراحل التاريخ الإسلامي.
أما بقية النماذج لتلك الـمؤسسات والـمراكز والبيئات فيأتي من أبرزها الآتـي:
(1) الـمساجد والجوامع: وهي أماكن العبادة وأداء الشعائر عند الـمسلمين، وقد قامت (منذ أن عُرفت في الـمجتمع الـمسلم ولا تزال) بوظائف تربويةٍ مهمةٍ ومتنوعةٍ في مـختلف جوانب الحياة، ومنها الدعوة والتربية والتعليم وغيرها، “وقد قامت حلقات الدراسة في الـمسجد منذ نشأ، واستمرّت كذلك على مر السنين والقرون، وفي مـختلف البلاد الإسلامية دون انقطاع” (أحـمد شلبي، 1987م، ص105).
وليس هذا فحسب؛ فهناك باحثٌ آخر يرى قوة الارتباط بين التربية الإسلامية من جهةٍ وبين الـمسجد من جهةٍ أُخرى فيقول:
“ارتبط تاريخ التربية الإسلامية ارتباطًا وثيقًا بالـمسجد انطلاقًا من الوظيفة الدينية والدنيوية التي يقوم بها الـمسجد في الـمجتمع الإسلامي. وكان التدريس في الـمساجد يتم على شكل حلقاتٍ يجلس فيها التلاميذ على الأرض في ركنٍ من أركان الـمسجد، ويأخذ الـمُدرِّسُ مكانه في أول الحلقة” (مصطفى مـحمد متولي، 1417هـ، ص156-159).
(2) الأربِـطَة، أو (الرِبَـاطَات) أو (الرُبـط): جـمع كلمة (رباط). وهنا لا بُد من الإشارة إلى ان هناك اختلافًا في الـمعنى الـمُراد من تسمية (الـرِبَـاطْ) في الـمجتمع الإسلامي قديـمًا؛ حيث أشارت بعض الـمراجع إلى أنه “يـختلف معنى (الـربـاطـات) في الشـرق الإسلامي عنه في الغرب الإسلامي. والـرِباطـات جـمع (رِبَـاطْ)، ويُقصد بالـرِبـاط في الشـرق الإسلامي البيوت التي كان يُقيم بها الفقراء ويتـفرغون للعبادة والتعليم.. أما الرباط في الـمغرب الإسلامي؛ فهو ثكنةٌ عسكريةٌ مـحضـةٌ.. فالرباط حصنٌ دفاعيٌ أخذ تسميته من مرابطة الـمجاهدين في سبيل الله فيه، فكان هؤلاء الـمجاهدون يُرابطون فيه، ويقضون يومهم وليلهم في العمل أو العبادة.. وكان الرباط مدرسةً يؤمُها العُلمـاء والطلبة، كمـا كان الطبيب يُرابط أيضًا فترةً من أجل مداواة الـمرضى، وكذلك رجل البريد” (مـحمد منير مرسي، 1421هـ، ص303 -304).
وهناك من الباحثين من يصف الأربطة أو الرُبط بأنـها: “الـمكان الذي يُرابط فيه جنود الـمسلمين للجهاد في سبيل الله، ولـمّا كان هؤلاء الجنود ذوي نزعةٍ دينيةٍ كان من الطبيعي مع الإقامة الطويلة فيها أن يــهـتموا بالدراسات الدينية زيادةً في تفقهـهم، أو ربـما شغلًا لأوقات فراغهم؛ لذا تطوّرت وظيفة هذه الرُبط فأصبحت مؤسساتٍ للتربية العسكرية والدينية” (عبد البديع عبد العزيز الخولي، وآخران، 1996م، ص 146-148).
(3) الخَوانِقْ أو الخانقاوات: جمع كلمة (خانقاه)، وهي “كلمةٌ فارسيةٌ معناها البيت أو الدير أو الـمعبد. والـمقصود بها دورٌ يسكُنـها الصوفية، وتجري عليـها الأرزاق، ويُشرف عليها العُلماء والشيوخ، ويتم فيها التفرغُ للعبادة والذِكر، والعلم والتعليم” (حسان مـحمد حسان، ونادية جـمال الدين، 1414هـ، ص 47).
ومن الباحثين من ذكر أن “الخوانق مـما حَدَثَ في الإسلام، ولم تكن معروفةً قبل القرن الخامس الهجري…. وقد كانت الخوانق من الـمراكز العلمية التي عُنيت بالتدريس، واستقبال طُلاب العِلم؛ بالإضافة إلى تلاوة القرآن الكريم، والعبادة، والتهجُد” (أمين أبو لاوي، 1423هـ، ص 143).
وعلى الرغم من عدم وضوح الصورة عن نوعية وكيفية التعلُم والتعليم في تلك الخانقاوات على وجه التحديد والتفصيل؛ إلاّ أن من اسهاماتها ما ذُكِرَ من أنها قد برزت في “نسخ الكُتب على مدى عدة أعوام تم خلالها نسخُ عددٍ كبيرٍ من الكتب الدينية” (مصطفى مـحمد متولي، 1417هـ، ص170).
(4) الخـَـلاوي: جـمع (خَلوة). وهي “مكانٌ للاعتكاف والعبادة، يقوم فيها رجالٌ صالحون ونساءٌ صالحات، وفيها يتم حفظ القرآن الكريم وبعض مبادئ العلوم الشرعية، ويكفُل الأغنياء والقادرون الزاد والانفاق عليها رغم قلة نفقاتها نظرًا لبساطتها وزهدها” (حسان مـحمد حسان، ونادية جـمال الدين، 1414هـ، ص 48).
ويقول عنها أحد الباحثين: “وكانت معظم خلاوي الصوفية فرديةً غالبًا لا يقيم في الـمسكن الواحد سوى صوفيٍ واحدٍ ليكون أدعى للتأمُل والعبادة” (عبد البديع عبد العزيز الخولي، وآخران، 1996م، ص141-142).
(5) الزوايـا: جـمع (زاوية). “وهي في الأصل ركنٌ في الـمسجد، يُتخذ للاعتكاف والتعبُد. وهي مُشتقةٌ من (انـزوى ينـزوي)، بـمعنى اتخذ مكانًا معينًا، أو ركنًا خاصًا من أركان الـمسجد للاعتكاف وأداء الشعائر الدينية” (علي الجمبلاطي، وأبو الفتوح التوانسي، د.ت، ص 26).
ومن الباحثين من وصف الزوايا بأنها: “مواضع في الـمسجد يختص بكل موضعٍ منها شيخٌ يقوم بالتدريس فيها لتلاميذه على مذهبه، وكان التدريسُ في الزوايا يُعد من الـمناصب الجليلة، وكان يتولى التدريس في الزوايا من الجوامع الكبيرة كبار العُلماء أمثال: ابن حجرٍ العسقلاني، وبدر الدين العيني. وقد يكون في الـمسجد الواحد أكثر من زاويةٍ، وربّما اختلفت الزوايا في منهجها ومذهبها” (أمين أبو لاوي، 1423هـ، ص138-140) [بتصرفٍ من الكاتب].
أما وقت انتشارها فلم يكن في وقتٍ مُبكر، وقد أشار إلى ذلك أحد الباحثين بقوله:
“انتشرت الزوايا في العصر العثماني انتشارًا واسعًا، وخاصةً في القرن التاسع الهجري والسادس عشر الـميلادي، فكانت تُنشأ أحيانًا من قِبل الأمراء أو غيرهم باسم شيخٍ مُعيّن يُعتقد فيه الصلاح، وأحيانًا كان ينشئوها بعض العلماء أو شيوخ الصوفية لأنفُسهم ولـمُريديهم” (عبد البديع عبد العزيز الخولي، وآخران، 1996م، ص 144).
(6) بيوت أو دور الـحِكْمَة: جـمع (دار). وهي أحد نماذج الـمراكز العلمية التي ظهرت في العالم، والتي حظيت بشهرةٍ كبيـرةٍ، وكان لـها دورٌ فاعلٌ وإيجابيٌ في تدوين ونشر العلوم والـمعارف والفنون التي عرفتها الأمم.
وقد أطلقت تسمية (بيت الحكمة) على دارٍ علميةٍ أُنشئت في عصر الخليفة العباسي هارون الرشيد في نـهاية القرن الثاني الهجري، وكان ازدهارها في عصر ابنه الـمأمون، وقد اعتنت بنشر العلم والـمعرفة، إضافة إلى اسهامها الكبيـر في عملية تعريب العلوم من خلال نقلها من اللغات الـمختلفة آنذاك إلى العربية.
ولعظيم دور تلك الدور على وجه العموم في خدمة مسيـرة التربية والتعليم فقد وصفها أحد الباحثين بأنها كانت:
“مركزًا للدراسة والبحث، يقوم العلماء ومـحبو العلم بالوفود إليها ليجدوا في مكتبتها غايتهم، كما كانت تُدرَّس في بعضها العلوم، وكان يُلحقُ ببعضها مساكن لإقامة الطلاب، وكان يُصرف لهم الغذاء والكساء. وأهم دور الحكمة الـمعروفة: بيت الحكمة في بغداد، وبيت الحكمة في رقّادة بشمال إفريقيا، ودار الحكمة في القاهرة” (مـحمد منير مرسي، 1421هـ، ص300).
ويؤكد هذه الأهـمية وتلك الـمنـزلة الكبيـرة لتلك الدور ما يُشيـر إليه باحثٌ آخر بقوله:
“وقد زودت دور الحكمة والعلم هذه بالـمكتبات الواسعة، والاختصاصيين الأكفاء من معلمين ومُترجـمين، وجُـمعت لها الـمخطوطات من كل حدبٍ وصوب، وكانت مراكز عُليا للدراسة والبحث، ولم تقتصر على دراسات القرآن والحديث والفقه والسيرة وأصول الدين، وتفاصيل اللُغة وقواعدها وآدابها فقط؛ بل اهتمت أيضًا بالطب والهندسة والعلوم الكونية والتجريبية” (زغلول راغب النجار، 1416هـ، ص95).
(7) منازل العُلماء: ويُقصد بها بيوتهم ومساكنهم الخاصة، وقد أسهمت بدورٍ لا يُنكر ونصيبٍ كبيرٍ في الحركة العلمية ونشرها، وخدمة التعليم وبخاصةٍ قبل انتشار الـمدارس؛ حيث “لعبت منازل العُلماء دورًا كبيرًا في نشر العلم وتوسيع مـجالات التعليم، فقد كان الطلبة يقفون على أبواب الشيوخ ليسألوهم أو ليسمعوا منهم. وكانت الدروس الـمنتظمة تُلقى في تلك البيوت التي كانت تصاميم بنائها تُلائم هذه الأغراض. وربـما عُقدت مـجالس الدروس عند عتبة الباب حيث يجلس الطلبة في الطريق مع شيخهم الذي يُلقي عليهم دروسه” (مـحمد منير مرسي، 1421هـ، ص305-306).
(8) الـمجالس الثقافية (الصالونات): وهي الـمجالس الثقافية أو الـمنتديات التي كان يُنظمها بعض الخُلفاء، أو الأمراء، أو الوزراء، أو علية القوم في قصورهم ومنازلهم، وقد تكون بعض هذه الـمجالس للعُلماء.
ويُشير بعض الباحثين إلى أنـها قد ظهرت بصورةٍ بسيطةً في العصر الأموي، غير أنها ازدهرت وتطورت شكلًا ومضمونًا في العصر العباسي؛ “حيث كانت تُعقد بـها مناظرات الشعراء، ومناقشات الفقهاء، ومساجلات أهل الفن والأدب” (مصطفى مـحمد متولي، 1417هـ، ص 163).
ويزيد أحد الباحثين الأمر وضوحًا في بيان طبيعة روّاد هذه الـمجالس الثقافية في تلك الفترة الزمنية، فيقول:
“ولقد ضمّت مـجالس الصالونات طائفةً من أكبر مُفكري هذا العصر [أي القرن الرابع الهجري] من فقهاء، ومُفسرين، ومُـحدثين، ونُحاة، ومُتكلمين، وفلاسفة، وأطباء، ومُهندسين” (حسن عبد العال، د.ت، ص198).
كما يُشير باحثٌ آخر إلى أن هذه الـمجالس قد اتصفت ببعض الصفات التي كانت تُـميزها عن غيرها، فيقول:
“فقد وضحت فيها التقاليد والحضارات الأجنبية التي اقتبسها الخُلفاء العرب من الـممالك العظيمة التي خضعت لسُلطانهم؛ فأصبح الصالون يُؤَّثثُ أثاثًا رائعًا، ولم يكن الصالون يستقبل كل الراغبين، وإنما كان يُسمح لطبقةٍ مُعيّنةٍ في الدخول…وللصالونات الأدبية أدابٌ خاصةٌ، وتقاليد مُعيَّنة” (أحـمد شلبي، 1987م، ص76-77).
(9) حوانيت الورّاقيـــن: جـمع (حانوت). وهو مـحل أو دُكّان بيع الورق والكتب. وقد عُرفت بعد ظهور صناعة الورق التي عُرفها العالم الإسلامي لأول مرةٍ في بغداد سنة 794م نقلًا عن الصينيين.
الجميل في الأمر أن “هذه الدكاكين التي فُتِحت في الأصل لأعمالٍ تجاريةٍ، ثم إذا هي تصيرُ مسرحًا للثقافة والحوار العلمي، عندما أمَّها الـمثقفون والأُدباء، واتخذوا منها مكانًا لاجتماعاتهم وأبحاثهم” (أحـمد شلبي، 1987م، ص66).
ويتناول أحد الباحثين الحديث عن حوانيت الوراقين بقوله:
“وكانت تبيع الكتب الهامة، كما كان الورّاقون يقومون بنسخ الكُتب الهامة فيها. وإلى جانب هذا كانت تقومُ بـمهمة الـمكتبة العامة التي يفدُ إليها الناس للاطلاع، وكانت تُعقد بها الـمناقشات والـمناظرات، يشترك فيها إليها الورّاقون أنفسهم؛ فقد كانوا على حظٍ من الثقافة والاطلاع. وكانوا يحرصون على اجتذاب العلماء إلى حوانيتهم. وقد ارتبط ظهور حوانيت الوراقين باختراع الورق للكتابة” (مـحمد منير مرسي، 1421هـ، ص302).
(10) الـمكتبات العامة والخاصة: ويُقصد بالـمكتبات العامة تلك التي كان يُنشئها الخلفاء، والأمراء، والعلماء، والأغنياء، وكانت تشيَّد لـها أبنـيـةٌ خاصةٌ، وربـما كانت تُلحق بالـجوامع الكبيرة، أو بالـمدارس الكبرى. أما الـمكتبات الخاصة فقد كانت تابعةً لأشخاصٍ مُعينين، ورُبـما كانت متخصصةً في فـنٍ معيـنٍ من الفنون، أو علمٍ مُـحددٍ من العلوم.
ويُشير أحد الباحثين إلى أن الاهتمام بالـمكتبات على وجه العموم جاء متأخرًا نسبيًا؛ حيث يقول:
“لم يكن للمكتبات شأنٌ كبيرٌ في العصر الأموي، ولكنها انتشرت في العصر العباسي مع انتشار استخدام الورق في نسخ الكتب، وظهور كثيرٍ من الوارّقين، وانتشار حلقات الأدباء والعلماء….وصارت الـمكتبات من أهم مراكز التربية والثقافة الإسلامية، وكانت هناك مكتباتٌ عامةٌ في الـمُدن تُقام لها أبنيةً خاصةً، أو تُلحق بالـمساجد، والـمدارس، والرباطات، والبيمارستانات. وكانت توجد في معظم الـمساجد مكتباتٌ عامةٌ، كما كانت هناك مكتباتٌ خاصةٌ يبنيها الأمراء في قصورهم، أو العلماء في بيوتهم” (مـحمد منير مرسي، 1421هـ، ص297-298).
الجدير بالذكر أن هناك من الباحثين من خص هذه النوعية من الـمؤسسات بصفةٍ خاصةٍ تُميِّزها عن غيرها، فيقول في شأنها:
“ولا نُبالغ إذا قُلنا إن إنشاء الـمكتبات من مُبتكرات التربية في الإسلام، لتشجيع العُلماء والطلاب على البحث والقراءة والاطلاع، ونسخ بعض الكتب الثمينة، وترجـمة ما يستحق الترجـمة منها، واقتناء ما يصح اقتناؤه من الكتب الدينية والعلمية والأدبية والخُلقية، ففي دور الكتب الإسلامية كنت تجد الباحثين والـمُطلعين والناسخين والـمُترجـمين” (مـحمد عطية الإبراشي، 1985م، ص 38-39).
(11) خِزانات الكُتب: جـمع (خِزَانة). وهي الأماكن أو الـمستودعات التي خُصصت لتخزين الكتب والـمؤلفات والـمخطوطات فيـها لحفظها والعناية بـها، ويُشير أحد الباحثين إلى أن “أول خزانةٍ هي التـي أنشأها خالد بن يزيد الأموي (الـمتوفى سنة 85هـ)، وأودع فيـها ما نقلهُ من العلوم وما ألّفه، وأضاف الأمويون إليها الكتب التي نُقلت لهم” (سعيد الديوه جي،1402هـ، ص71).
وتُعد الخِزانات فيما يبدو البدايات أو الصورة الأولية التي تطورت فيما بعد لينتُج عنها ما أصبح يُعرف بالـمكتبات سواءً أكانت مكتباتٍ عامةٍ، أو مكتباتٍ خاصة بعد ذلك.
وتُشير بعض الـمراجع إلى أن خِزانات الكُتب كانت تقام على سبيل الوقف الخيري، والحرص على نشر العلم، وهو ما أشار إليه أحد الباحثين بقوله:
“كانت طريقة القدماء في نشر العلم، لـمّا كان يتعذرُ على غير الأغنياء اقتناء الكُتب نظرًا لأنـها كانت مـخطوطاتٍ غالية الثمن، لجأ من أحب تعليم الناس إلى إنشاء مكتبةٍ يجمعُ فيها الكُتب ويفتحُ أبوابها للناس” (أحـمد شلبي، 1987، ص141).
(12) الكـتـاتـيـب: جـمع (كُتّاب). وهو موضع تعليم الكتابة. ومن الباحثين من يرى أن “الغرض الأساسي من الكُتَّاب هو تعليم الصبيان القرآن والقراءة والكتابة، وبعض النحو والعربية والحساب” (أحـمد فؤاد الأهواني، د.ت، ص11).
وعلى الرُغم من ارتباط اسم الكُتّاب عند الكثير من الباحثين بتعليم القرآن الكريم “مـما يجعل نشأته تعود إلى ظهور الإسلام؛ لكن الحقيقة غير ذلك، فقد وجد الكُتّاب أولًا لتعليم القراءة والكتابة، وهذا يعني أن نشأة الكُتّاب ترجعُ إلى ما قبل الإسلام “(عبد البديع عبد العزيز الخولي، 1996م، ص115).
وهناك من الباحثين من زاد الأمر وضوحًا حول وصف الكُتّاب الذي كان معروفًا في الـماضي بقوله: “ويقال إنه [أي الكُتَّاب] عُرِفَ في بلاد العرب قبل الإسلام على نطاقٍ ضيقٍ مـحدود. وقد يطلق على الكُتَّاب أحيانا اسم “مكتب”. وكان الكُتّاب عبارة عن مكانٍ مستقلٍ أو غرفةٍ في منزل، أو حجرةٍ مـجاورةٍ للمسجد، أو ملحقةٌ به، أو خيمةٌ من جُـملة خيام الحي في البداية “خيمة الـمؤدب” كما كان يعرف في تونس في شـمال إفريقيا” (مـحمد منير مرسي، 1421هـ، ص287).
(13) التَـكـَايَـا: جـمع (تَكِـيّـة). وهي تسميةٌ تُطلق على الـمكان الـمُعدّ لإيواء الفقراء من الـمسافرين، أو العَجزة، والـمُعْوِزينَ في فترةٍ زمنيةٍ سابقة. وتصفها إحدى الدراسات بأنها:
“دورٌ يُقيمها الأثرياء والأمراء، يُقيم فيها الدراويش الصوفية لينقطعوا للعبادة، وليدرسوا العلوم الدينية لا يشغلهم من أمور الدنيا شاغل، وجـميعهم أعاجم. وكانت بعض التكايا تؤدي وظيفة الجامع ووظيفة الـمدرسة، فضلًا عن وظيفتها الصوفية، بالإضافة إلى مُهمتها في تطبيب الـمرضى وعلاجهم” عبد البديع عبد العزيز الخولي، وآخران، 1996م، ص141-142).
وختامًا، فليس هناك من شك في أن هذه الـمراكز والـمؤسسات ليست إلاّ أُنـموذجًا لـما عرفه الـمجتمع الـمسلم عبـر تاريخه الـمجيد من تلك البيئات والمراكز والمؤسسات التربوية والتعليمية التي لا شك أنها أسهمت على تنوعها بأدوارٍ رئيسةٍ وإيجابيةٍ في خدمة مسيرة التربية الإسلامية عبـر التاريخ، وهو ما يؤكده أحد الباحثين بقوله:
“قامت تلك الـمراكز التعليمية على تعدُّدها وتنوعها واختلاف أساليبها بتخريج العديد من العُلماء الـمسلمين الذين حـملوا تُراث البشرية، وقاموا بنقده وتطويره، وإثرائه على مدى عشرة قرون أو يزيد، وكان منهم أئمةٌ في علوم القرآن، والحديث، والفقه، واللُغة، والفلسفة، والعلوم الإنسانية، والعلوم البحتة والتطبيقية، ومؤسسون لكثيرٍ من الـمعارف الحديثة” (زغلول راغب النجار، 1416هـ، ص95).
_______
المصدر: شبكة الألوكة (باختصار).