عمر بن عبد المجيد البيانوني
1ـ من أراد الإفساد عامله الله بنقيض قصده.
فحين قال إخوة يوسف: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ) [يوسف: 9]، ظنوا أنهم بقتل يوسف أو إبعاده سيقبل عليهم أبوهم إقبالة واحدة ولا يلتفت عنهم إلى غيرهم، وأنه لن يشاركهم أحد في محبتهم، فلم يزده ذلك إلا محبة واشتياقاً ليوسف.. حتى قالوا له: (تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) [يوسف: 85].
2ـ معايير الناس وموازينهم قد لا تكون صحيحة، فقد يزهدون بالعظماء وهم لا يشعرون!
(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف 20].
3ـ المحسن جزاؤه الإحسان من الله تعالى.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 22]
(وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يوسف: 56، 57]
(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90]
كما قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ) [الرحمن: 60]، فهَلْ جَزَاء الإحسان في العمل إِلَّا الإحسان في العاقبة والثواب.
4ـ لقد شهدوا ليوسف عليه الصلاة والسلام بالإحسان وهو في السجن حين قالوا له: (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 36].
وكذلك حين أصبح في الملك قالوا له: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 78].
5ـ إكرامُ الوالدين وبرُّهم من أهم صفات المحسنين المفلحين.
فحين دخلوا على يوسف عليه الصلاة والسلام رحَّب بهم جميعاً، ولكنه خصَّ أبويه بفضل ترحيب واهتمام، (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ) [يوسف: 99].
وكذلك حين أكرم أبَوَيْه ورفعهما على العرش: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً) [يوسف: 100].
وخرُّوا له سجداً سجودَ تحيةٍ وإكرام. وكان ذلك جائزاً في شريعتهم.
وهناك من يرى أن الضمير في (لَهُ) لله أي خروا ساجدين لله سجود شكر.
6ـ الفاسد لا يريد أن يبقى وحده فاسداً، ولهذا تجده حريصاً على إفساد غيره.
فحين راودت امرأة العزيز يوسف أرادت من النسوة أن يقعوا بمثل ما وقعت فيه.
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [يوسف: 31ـ 32]
كما يعبِّر عن هذا المعنى قوله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89].