ابن حزم (رحمه الله)
لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهَّال يهابونك ويجلُّونك، وأن العلماء يحبونك ويُكرِمونك، لكان ذلك سببًا إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة؟!
ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء، ويغبط نظراءه من الجهال، لكان ذلك سببًا إلى وجوب الفرار عنه، فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة؟!
لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به، إلا أنه يقطع المشتغِل به عن الوساوس المضنية، ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهمِّ، وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس، لكان ذلك أعظم داعٍ إليه، فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره؟! ومن أقلِّها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم، وفي مثله أتعب ضعفاء الملوك أنفسهم، فتشاغلوا عمَّا ذكرنا بالشطرنج، والنَّرْد، والخمر، والأغاني، وركض الدوابِّ في طلب الصيد، وسائر الفضول التي تعود بالمضرَّة في الدنيا والآخرة، وأما فائدة؛ فلا فائدة.
لو تدبر العالِم في مرور ساعاته ماذا كفاه العلم من الذل بتسلط الجهال، ومن الهم بمغيب الحقائق عنه، ومن الغبطة بما قد بان له وجهه من الأمور الخفية عن غيره، لزاد حمدًا لله – عز وجل – وغبطة بما لديه من العلم، ورغبة في المزيد منه.
مَن شغل نفسه بأدنى العلوم وترك أعلاها وهو قادر عليه، كان كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البُر، وكغارس الشعراء حيث يزكو النخل والزيتون.
نشر العلم عند مَن ليس من أهله مفسدٌ لهم؛ كإطعامِك العسل والحلواء من به احتراق وحمى، أو كتشميمك المسك والعنبر لمن به صداع من احتدام الصفراء.
انظر في المال والحال والصحة إلى مَن دونك، وانظر في الدين والعلم والفضائل إلى مَن فوقك.
أجلُّ العلوم ما قرَّبك من خالقك – تعالى – وما أعانك على الوصول إلى رضاه.
المصدر: كتاب الأخلاق والسير، لابن حزم (نقلًا عن شبكة الألوكة).