
من أسرار المودة والرحمة (4) بيوت بلا حب.. ولكن؟!
أكتوبر 13, 2022
وقف دار العلوم.. عطاء وبِناء ونَماء! (إشارات مضيئة من حوار أمين وقف دار العلوم مع قناة قاف) [3]
أكتوبر 16, 2022أصيب زوجي بتشنج حاد لم تنفع معه كل محاولات الأطباء فتوفي خلال أسبوع.
واختلطت مشاعري فلم أعد أعرف هل أحزن على رحيله أم أفرح لنهاية قصتي معه؟!
وعرفت فيما بعد سر تمسك زوجة والدي ببقاء أخيها عندها فقد علمت أن زوجي (المتخلف عقلياً) قد ورث عن والديه مبلغا كبيرا، وقد استماتت لإخفاء هذه المعلومة عني وعن الجميع ثم استماتت من أجل حرماني من الميراث ونجحت في ذلك.
فأصبحت أنا مثل الفاشل الذي عاد “بخفي حنين” فقدت كل شيء..!
أصبت بالاكتئاب الشديد وأنا أرى حياتي مثل “مسبحة” بيد أحدهم يهزها يمينا وشمالا فتتأرجح في كل اتجاه، كانت ترسم حياتي كما تريد…!
أصبحت أسوار السوداوية والفشل والحزن والإحباط ترتفع من حولي يوما بعد يوم حتى تكاد تخنقني، مرت سنة بائسة أخرى بعد وفاة زوجي، كانت فيها كل أحلامي بإكمال دراستي تتهاوى أمام ناظري، أصبحت مجرد خادمة لزوجة أبي وبناتها إلى أن حدث التغيير الرئيسي في حياتي، إذ تقدم لخطبتي أرمل في الستين من عمره يفصل بيني وبينه 39 عاما، وسبعة من الأبناء أصغرهم في مثل عمري.
رفضت وصرخت ولكن كما ذهب صدى صوتي أدراج الرياح المرة السابقة هكذا حدث في المرة الثانية.
أمواله وعقاراته كانت الطعم الذي أسال لعاب أبي وزوجته، وتم زفافي إليه وكنت أشعر أني مثل نعجة تساق إلى المذبح.
وفي ليلة الزفاف ذهبت معه إلى منزله ودخلته لأول مرة..!
لم يلفت نظري فخامة منزله وأثاثه، وجمال اللوحات والإضاءات المذهبة، ولا السجاد الثمين والتحف الغريبة…!
كنت أنصت لحظتها لضجيج الألم في داخلي.. للأفكار السوداوية التي تعتصر عقلي.. للغبن الذي يضج بين أضلعي.. لشريط حياتي البائس وهو يمر بالحركة البطيئة أمام ناظري وحين أصبحت معه وحدنا في الغرفة تحدث معي بحنان بالغ ومشاعر دافئة افتقدتها..
حتى أصبحت أشك في كوني كائنا بشريا، فشعرت بدموعي تتدافع سراعا.. وجسدي يرتجف بخوف!
ولأول مرة في حياتي يحتضنني أحد بمثل هذا الحب والرفق والصدق، عرفت منه أنه ظل وفياً لزوجته طوال فترة مرضها التي امتدت لعشر سنوات..!
أخبرته بكل حكايتي.. كانت دموعه تختلط بلحيته البيضاء القصيرة، ونظرات الذهول ترتسم بعينيه وهو يقول: كيف صبرتِ على كل هذا الأذى؟!
مرت الأيام وفي كل يوم كانت العلاقة تزداد متانة بيني وبينه حتى أحببته من كل قلبي وشكرت الله تعالى الذي أرسله لي بعد كل العناء والألم الذي مررت به في حياتي…
وكان من دروس الحياة التي تعلمتها في تلك اللحظة التي تشعر فيها أن الجميع تخلى عنك.. وأنك تقبع في دهليز مظلم وحيدا تلعق جراحك بكثير من المرارة.
سيمسح الله على قلبك برفق. وسينير لك طريقا مظلما ما ظننت يوما أنه سينير..
أحببت أبناءه وأحبوني وكأني أخت لهم ولأول مرة أيضا أشعر بروح العائلة وجمال الدفء فيها…
تشاركنا مع بعضنا جمال الأيام ولحظات السعادة وساعات الإنصات والاهتمام..
عرفت مع زوجي وأبنائه ما معنى ليالي رمضان الجميلة ولذة الإفطار مع بعضنا وبهجة الأعياد
ولمة العائلة، واجتماع الأهل.. وروعة السفر مع أناس أحبهم ويحبوني…
ومرت السنوات مع زوجي الحبيب مثل حلم جميل لم أرغب أبدا أن أصحو منه..
أتعلمین یا سیدتي أني كنت أحيانا أضع يدي أمام أنفه لأرى إن كان يتنفس أم لا ؟
خشيت أن أفقده، أن أعود لتلك النقطة السوداء التي لا تشعرني بإنسانيتي، لم يكن مجرد زوج.. بل كان ملهمي ومعلمي وأبي وحبيبي وكل شيء لي في هذه الحياة..
أنجبت منه ثلاثة أبناء…
وبمساندته أكملت تعليمي الثانوي والجامعي والماجستير والدكتوراه…!
لكن من قال أن تلك السنوات التي نرتشف منها السعادة تدوم؟ وتلك اللحظات التي نقضيها بجوار من أشعرنا بأهميتنا في الحياة تستمر؟
هي حكمة الله في الحياة….. لا يجعلها تسير على وتيرة واحدة، وأقداره التي يجب أن نكون راضين بها تمام الرضى سيرسل الله لك لحظات صعبة يختبر فيها قدرتك على الصمود وحسن ظنك وثقتك فيه.
وجاءت تلك اللحظة التي كنت أخاف فيها أن أفقده؛ مرض زوجي مرضا لم يمهله سوی شهر واحد..
وقبل أن يرحل عن عالمنا بعد 17 عاما من زواجنا طلب مني أن أقطع له وعدا بأن أكون قوية ولا تكسرني الظروف والأيام. أن أكون تلك المرأة القوية التي عرفها.. تلك المرأة التي تحدت نفسها بفضل الله ونهضت من جديد تلك المرأة التي كانت مجرد حطام حين اقترن بها.
وها هي اليوم بعد كل ما حصلت عليه وحققته تقف على قدميها من جديد
وعدته بكل صدق.. ورحل زوجي
ووفيت بوعدي له وطاردت أحلامي ولم أعد تلك اليتيمة المستضعفة! (يتبع)
ـــــــــــــ
من كتاب “شيء مني يشبهك” سلوى العضيدان.